أولا: طرح المشكلة
ثانيا: محاولة حل المشكلة
القضية:يرى جملة من الفلاسفة أمثال: (أرسطو، الفارابي، الغزالي، ابن سينا، ليبنيتز، ابن رشد، ...) أنه يجب الامتثال لقواعد المنطق الصوري لضمان التفكير السليم، وذلك يرجع لمختلف القوانين والمبادئ التي تؤسس الفكر السليم، فهو يزودنا بالقواعد التي يجب اتباعها في الاستدلال والبرهنة. وبالتالي لا يمكن الاستغناء عنه لأنه بمراعاتنا لمبادئه نعصم الفكر من الوقوع في الخطأ. أرسطو: إن العقل البشري حسب "أرسطو" معرض بطبيعته للخطأ و السهو
والنسيان، ولا بد له من قواعد المنطق التي تجنبه ذلك وتضمن سلامة التفكير وصدق
النتائج، حتى لا يبقى في حالة من الفوضى و عدم النظام، ورأى أرسطو أن هذا لن يتم
إلا بالاستناد إلى مبادئ العقل ، فوضع مبادئ عامة للعقل و أكد على أهميتها:(
الهوية وعدم التناقض و الثالث المرفوع والسببية، الغائية، الحتمية)، وهي مبادئ
متناسقة فيما بينها، تعزز البناء العقلي المنطقي و تكون شرطا للحوار والتوافق
بين العقول. فنجده يصف المنطق في قوله: "هو علم السير
الصحيح". الفارابي: بين حاجة الفكر إلى قواعد تحافظ على
سلامته الصورية معتبرا ايه "رئيس العلوم" حيث يعرف المنطق في كتابه إحصاء
العلوم بقوله: " ... فصناعة المنطق تعطينا بالجملة القوانين التي من
شأنها أن تقوم الفكر وتسدد الإنسان نحو طريق الصواب ..." فنجده من خلال
هذا يعتبر المنطق علما يهتم بتوجيه العقل وتسديد الفكر نحو الحق والصواب،
وإبعاده عن الزلل والغلط. وتتمثل أهمية المنطق عند الفارابي في قوانينه
التي تضمن عدم التناقض وتوحد بين جميع العقول، كما تتجلى قيمة المنطق في مبحث
الاستدلالات التي تخدم الفقه، فالفقيه ينطلق من النص الشرعي محاولا ربطه
بالقضايا الدينية، وبالتالي يكون للمنطق دور في صياغة الحكم الفقهي ليكون
متطابقا مع النص الشرعي. الغزالي: من أهم المفكرين المسلمين الذين أحسوا
بأهمية المنطق وبفائدته في جميع العلوم خاصة العلوم الدينية، ويؤكد "الغزالي" نظرته هذه بقوله: «المنطق هو
مقدمة العلوم كلها ومن لا يحيط بها فلا ثقة بعلومه أصلا» حيث يشبهه بالميزان
والمعيار للعلوم كلها، وأنه وحده القادر على التمييز بين الحق والباطل، ويذلك
عمل على تطبيقه في ميدان العلوم الدينية وأصول الفقه لما له من دور في ضمان
التفكير الصحيح وبالتالي الوصول إلى أحكام فقهية تتماشى مع النصوص الشرعية. ابن سينا: كان من
أشد المؤيدين للمنطق الأرسطي فوصفه في قوله: "إنه الآلة العاصمة للذهن
عن الخطأ فيما نتصوره ونصدق به، والموصلة إلى الاعتقاد الحق" فاعتبر أن
المنطق لا يخالف الشرع عمل على تبيان أن قواعد المنطق ليس فيها ما يخالف الشرع،
لأن الخروج عن الشرع يكون في ظلال النفس وتقصيرها وعجزها وليس في اشتغالها
بالمنطق. ليبنيتز: كان
معجبا بمنطق أرسطو فاعتبر أن القياس من أحسن ما أنتجه العقل البشري، لذا من
الضروري معرفة الطريقة الصحيحة لاستخدامه، كما يولي أهمية كبرى لمبادئ العقل
باعتبار أن القياس والبرهنة الصحيحة لا تقول دونها حيث يقول: "إن مبادئ
العقل هي روح الاستدلال وعصبه، وأساس روابطه فهي ضرورية كضرورة العضلات والأوتار
العصبية للمشي". - تلعب مبادئ العقل دورا في في إدراة المعرفة الإنسانية، وهي كافية
لحماية الفكر البشري من الوقوع في التناقض. - به يتم
التمييز بين الصواب والخطأ فالإنسان يستخدم المنطق في حياته اليمومية دون شعور
منه. حيث يقول ابن الحزم الأندلسي:
" هو علم القوانين التي نقف بها على حقائق الأمور، ونميزها عن
الأباطيل" - يعد
مبحث الاستدلالات من أهم قواعد المنطق التي توصل الإنسان إلى براهين معصومة من
الخطأ حيث يقول بوانكاري: "إننا نكتشف بالحدس ونبرهن بالمنطق" مناقشة:لا
يمكن بأي شكل من الأشكال أن ننكر دور المنطق في تأسيس الفكر السليم وتجنيبه
الخطأ والتناقض غير أنه لا يمكن تجاهل ما تعرض له من انتقادات فهو يبقى مجرد
اجتهاد بشري لا يخلو من الخطأ والنقص، كما أنه بقي يعطل الفكر العلمي لعدة قرون
خاصة في العصور الوسطى، حيث لم يظهر العلم إلا بعد التخلص من هيمنة المنطق. نقيض الأطروحة:(ديكارت، ابن تيمية، ابن الصلاح السهروردي، هيغل،
الوضعية المنطقية) يرى هؤلاء
من الفلاسفة أن المنطق الصوري لا يعصم الفكر من الوقوع في الخطأ، وبالتالي فهو
منطق عقيم لا فائدة من الاشتغال به. ديكارت: اعتبر
المنطق الأرسطي عقيما مغلقا وقياسه أجوف حيث يقول: " أما عن المنطق فإن
أقيسته تستخدم لكي تشرح للناس الأشياء التي يعلمونها" وبالتالي فهو
تحصيل حاصل لأنه لا يأتي بجديد لأن نتائجه تكون متضمنة في المقدمات. فيقول:
"اليقين الأرسطي يقين أجوف". ابن تيمية: من أكبر المسلمين رفضًا لكل ما هو وافد من الحضارات غير الإسلامية
خاصة اليونانية، ووجه أدواته النقدية بحدة للمنطق معتبرا أنه يخرج الإنسان عن
الملة حيث يقول: "إننا لا نجد أحدًا من أهل الأرض حقَّق علمًا من العلوم
وصار إمامًا فيه بفضلِ المنطق" ابن الصلاح السهروردي: هاجم السهروردي المنطق الأرسطي أشد الهجوم واعتبره طريقا للكفر
والزندقة حيث يقول: "من تمنطق فقد تزندق" وبرر قوله هذا بأن كل
ما هو مؤدي للكفر فهو كفر والمنطق طريق للكفر وبالتالي فهو كفر وظلال. هيغل: لا
يوافق على المنطق الأرسطي، معتبرا إياه سكونيّا وجامدا ما دام يقوم على مبدأ
الهوية الثابت، الذي لا يعبر عن الحركية الدائمة والتغير المستمر في كل شيء فهو لا يمثل
واقع الحياة في جدلية علاقاتها وصراع متناقضاتها. ما
دفع لظهور المنطق الجدلي (الديالكتيك) الذي يوضح أن كل فكرة تستدعي نقيضها وتشكل
مع هذا النقيض مركبا يتحول بدوره إلى فكرة جديدة تستدعي نقيضا ... الوضعية المنطقية: ترفض
المنطق لسببين بداية لكونه لا يتسع لكل
العلاقات المنطقية، لأنه منطق ثنائي القيمة لا يخرج عن حالتي الصدق والكذب، في
حين ثمة قضايا لا يمكن الحكم عليها لا بالصدق ولا بالكذب وهي القضايا
الميتافيزيقية، وترفضه أيضا لاعتماده
على اللغة الطبيعية، ما جعل منه سبيلا إلى المغالطة والسفسطة من خلال التلاعب
بمعاني الحدود، ولذلك من الضروري في المنطق استبدال اللغة الطبيعية بلغة الرموز
والإشارات لاستيعاب جميع العلاقات المنطقية حيث
يقول مويي: "إنّ اللّغة غير دقيقة، فالكثير من أهم ألفاظها مبهم [...]
والعلم يتكلم لغة في غاية الدقة، لغة الرياضيات التي مكّن بناؤها من التخلص من
المبهمات" - هو
منطق شكلي وصوري، فهو يدرس الفكر دون البحث في طبيعة الموضوعات، لكونه يهتم
بصورة الاستدلال وشكله دون الاهتمام بمادته، ما قد يضمن انطباق الفكر مع نفسه
صوريا دون انطباقه مع الواقع. حيث يقول غوبلو: "مادام المنطق يتعامل
بالألفاظ لا بالرموز فإنه يبقى مثار جدل" -
منطق عقيم لا يصل بالباحث إلى نتائج جديدة، فهو ضيق وجزئي لا يقبل التطور لأن
قواعده ثابتة. - وكل
هذه الانتقادات السابقة التي تعرض لها المنطق الأرسطي أفسحت المجال لظهور أشكال
أخرى للتفكير المنطقي أهمها: المنطق الجدلي، المنطق الرمزي، المنطق متعدد
القيمة. نقد:رغم
ما تعرض له المنطق الأرسطي من انتقادات إلا أنه لا يمكن تجاهل دوره في تطور
العلوم ومناهج البحث، كما أن ظهور أشكال مختلفة للتفكير المنطقي لا يعني التخلي
عن القوانين العامة للعقل التي تضمن انطباق الفكر مع نفسه. حيث يقول توماس
الأكويني: "هو الفن الذي يقودنا بنظام
وسهولة وبدون خطأ في عمليات العقل الاستدلالية" |