«عندما نرى الأشياء
فإننا في نفس الوقت نتصور الكيفية التي يمكن أن يراها بها الغير، فإذا ما خرجنا عن
ذواتنا فليس ذلك للاندماج مع الأشياء، بل بالنظر إليها من وجهة نظر الآخرين، ولا
يمكن هذا إلا لأننا نذكر العلاقات التي كوناها معهم . فليس هناك إذن ذكرى يمكن أن
نقول عنها إنها خارجية محضة (أي لا يمكن الاحتفاظ بها إلا في ذاكرة فردية) وفعلا
ما دامت الذكرى تعيد إدراكا جماعيا، فإنها في حد ذاتها لا يمكن أن تكون إلا جماعية
، ويكون من غير الممكن للفرد المقتصر على قواه فقط أن يتصور من جديد ما لم يتمكن
من تصوره أول مرة إلا بالاعتماد على فكر زمرته
(...)
فنحن لا نستطيع أن
نتذكر إلا شريطة أن نعثر في أطر الذاكرة الجماعية على مكان للحوادث الماضية التي
تهمنا والذكرى تكون غنية بمقدار ما تنبعث في نقطة التقاء اكبر عدد من هذه الأطر
التي بالفعل تتصالب ويغطي بعضها بعض الآخر جزئيا، ويفسر النسيان باختفاء هذه الأطر،
أو قسم منها، سواء كان انتباهنا غير قادر على الانجذاب نحوها أو كان منجذبا نحو
شيء آخر؛ غير أن النسيان أو تشويه البعض من ذكرياتنا يفسر أيضا بكون هذه الشاطر
تتغير من مدة إلى أخرى؛ فالمجتمع تبعا للظروف والأزمنة التي يتصور الماضي بكيفية
مختلفة فهو يغير اصطلاحاته
(...)
إذن: فإنه يجب العدول
عن الفكرة القائلة بأن الماضي يحفظ كما هو في الذاكرة الفردية، كما لو كان له عدد
من النسخ المتمايزة مماثل لعدد من الأفراد. إن الناس الذين يحيون حياة اجتماعية
يستعملون كلمات يفهمون معناها وهذا هو شرط الفكر الجماعي، غير أن كل كلمة مفهومة
تصحبها ذكريات، وليس هناك ذكريات لا يمكن أن نطابقها بكلمات إننا ننطق بذكرياتنا
قبل استحضارها، إن اللغة وجملة من الاصطلاحات الاجتماعية التي يمكن أن تدعمها هي
التي تمكننا في كل لحظة من إعادة بناء ماضينا».
موريس هالفاكس- الأطر الاجتماعية