الأستاذة لؤلؤة للفلسفة الأستاذة لؤلؤة للفلسفة
جديد الأخبار
جاري التحميل ...

آخر الأخبار

جديد الأخبار
جاري التحميل ...
جاري التحميل ...

مقالة: علاقة الأخلاق بالسياسة

 هل يجب مراعاة الاعتبارات الأخلاقية في الممارسة السياسية؟

أولا: طرح المشكلة
إن وجود الدولة واستمرارها مرهون بمدى نجاح الحكم وتطبيقه السليم من طرف الحاكم، والحديث عن السياسة وأنظمة الحكم يستوجب الحديث عن الأخلاق باعتبار أن ربط الأخلاق بالسياسة له نتائجه على الدولة، وحول علاقة الأخلاق بالسياسة اختلف العديد من الفلاسفة وعلماء الإجتماع ورجال السياسة، بين من يرى بضرورة ربط الأخلاق بالسياسة وأهمية مراعاة القيم الأخلاقية في كل عمل سياسي، وبين من يرى بضرورة الفصل بين جانبي السياسة والأخلاق، على اعتبار أن العمل السياسي لا يستوجب مراعاة الجانب الاخلاقي، ومن هنا يحق لنا التساؤل: هل يجب مراعاة الاعتبارات الأخلاقية في الممارسة السياسية؟ أو بعبارة أخرى: هل علاقة الأخلاق بالسياسة اتصالية أم انفصالية؟
ثانيا: محاولة حل المشكلة
الأطروحة الأولى:
يدعو أنصار هذا الطرح وعلى رأسهم (أرسطو، ابن خلدون، سبينوزا، كانط) إلى ضرورة مراعاة المبادئ الأخلاقية في الممارسة السياسية، وذلك من منطلق ان الدول إنما تقوم بالأخلاق وكل محاولة لاستبعاد الجانب الأخلاقي عن العمل السياسي سيؤدي حتما إلى حلول الفوضى الاجتماعية محل الامان والاستقرار، وحلول الاستبداد محل الديمقراطية، وبالتالي فإن الممارسة السياسية يجب أن تتقيد بالمبادئ الأخلاقية لأن غاية الدولة هي المحافظة على الإنسان وحريته والرقي به وتحقيق التعاون والتكافل بين المواطنين، كما أنها تقوم بهدف ضمان المساواة والعدالة الاجتماعية بين الأفراد وضمان حقوقهم ودفعهم لتأدية واجباتهم على الوجه الذي يضمن مصلحة الجميع، فقد اعتبر ارسطو أن السياسة فرع من الأخلاق، كما يرى أن الوظيفة الأساسية التي تقع على عاتق كل دولة هي نشر الفضيلة وتعليم المواطنين الأخلاق، وبالتالي فإن الدولة القوية هي التي تنجح في نشر الفضيلة بين مواطنيها، وبالتالي فإن مراعاة المبادئ الأخلاقية في العمل السياسي ضرورة تحتمها قيام الدول. كما اعتبر ابن خلدون أن الأخلاق وخِلال الخير أساس من أسس قيام الدولة ولا تستقر أحوال الدول بدون مراعاة الجانب الأخلاقي في تسيير شؤون البلد، وبالموازاة من ذلك أقر ابن خلدون بأن سقوط الدولة وانهيار الحكم فيها له أسبابه ومن بين ضياع الأخلاق وحلول الظلم والترف حيث يقول: "إن اتباع الشهوات والابتعاد عن الفضائل هو سبب سقوط الدولة"، أما سبينوزا فقد رفض كل حكم يقوم على القهوة والقهر حيث اعتبر أن السلطة القائمة على الاستبداد والغلبة هي السبب في حدوث الصراعات والفوضى داخل الدولة الواحدة وهو ما يؤدي إلى انهيار الحكم فيها وسقوطها، حيث يقول: "إن أية محاولة لإرغام أناس ذوي آراء مختلفة بل ومتعارضة على أن يقولوا إلا ما تقرره السلطة العليا يؤدي إلى أوخم العواقب" كما نجد فيلسوف الأخلاق (كانط) يقر بضرورة قيام الحكم في الدولة على أساس ما تقتضيه الضرورات الأخلاقية ففي مشروعه الأخلاقي دعا إلى ضرورة معاملة الإنسان كغاية في ذاته لا كوسيلة لبلوغ الحاكم لغايات سياسية، فنجده في كتابه "مشروع السلام الدائم" إلى إنشاء هيئة دولية لنشر السلام وفك النزاعات بطرق سلمية وتغليب الأخلاق في العمل السياسي كما دعا إلى ضرورة قيام نظام دولي يقوم على الديمقراطية والتسامح والعدل والمساواة بين الشعوب والأمم، فعملية الربط بين الأخلاق والسياسة تستهدف بناء قيم إنسانية وتساعد الأفراد على تجسيد المعنى الحقيقي لحرية الفكر والتصرف.
نقد الأطروحة الأولى:
لقد بالغ دعاة هذا الطرح فيما ذهبوا إليه لأن مراعاة الاعتبارات الأخلاقية في الحكم السياسي قد لا يكون في مصلحة الدولة إذ قد يؤدي إلى تسيب الأمور في الدولة وتمرد الأفراد وعدم امتثالهم للقوانين على أتم وجه لأن بعض المطالب السياسية تستدعي القوة كضرورة حتمية لتسيير شؤون الدولة والأفراد على الوجه الصحيح.
الأطروحة الثانية:
ذهب أنصار هذا الطرح أمثال: (ميكيافيللي، نيتشه، انجلز) إلى ضرورة عدم مراعاة المطالب الأخلاقية في الممارسة السياسية من منطلق أن ماهية السياسية تختلف عن مفهوم الأخلاق حيث نجد في كتاب "ماهية السياسة" لـ "جوليات فروند" ما يلي: " إن الأخلاق والسياسة لا سبيل إلى تماثلهما قط، فالأولى تهدف إلى كمال الفرد والثانية تستجيب لضرورة من ضروريات المجتمع وتعتمد على الصراع والحيلة والقوة" فالأخلاق والسياسة ماهيتان مختلفان بطبيعتيهما، ومن المحال احتواء إحداهما للأخرى. فقد فصل ميكيافيللي بين ما هو سياسي وما هو أخلاقي معللا ذلك بأن سبب سقوط أنظمة الحكم هو اتباع القيم الأخلاقية، فالأخلاق بقيمها سبب حقيقي في فساد العمل السياسي، وعليه نجده في كتابه "الأمير" يضع معالم الحكم السياسي القويم وهو في رأيه حكم قائم على القوة والقهر والغلبة التي يمارسها الحاكم للسيطرة على رعيته وتحقيق غايات السياسى والحفاظ على كيان الدولة وضمان وجودها، وهو ما جعل ميكيافيللي يتبنى شعار "الغاية تبرر الوسيلة والضرورة لا تعرف القانون" في الممارسة السياسية، وقد دعم موقفه بجملة من النماذج التاريخية لحكام استطاعوا حفظ وجود دولهم لمراعاة القوة في العمل السياسي ومن بينهم (حنبعل)، ونجد ميكيافيللي يقول: " إني أعتقد أن كل إنسان سيوافقني، أنه من خير الأمير أن يستغل من الصفات ما يشاء في سبيل رفعته، غير ناظر إلى قيمة أخلاقية أو دينية، فهناك من الفضائل ما يؤدي إلى انهيار حكمه، كما هناك من اللافضائل ما يؤدي إلى ازدهاره" هنا يقر ميكيافيللي بضرورة استبعاد الاعتبارات الاخلاقية والدينية من العمل السياسي. وكذا نجد نيتشه الذي يرى أن الأخلاق لا تتفق مع السياسة في شيء، فالسياسي المقيد بالأخلاق ليس بسياسي بارع، وعلى الحاكم أن يلجأ إلى المكر والدهاء والمكر لكي يستطيع فرض سيطرته وحماية دولته ومواطنيه. كما اعتبر انجلز أن الأخلاق والقانون لا علاقة لها بالسياسة كما أن القول بالأخلاق في السياسة إنما هو وسيلة لفرض السيطرة بطريقة قانونية حيث يقول: "الأخلاق والقانون مبررات وضعها الأقوياء للسيطرة على الضعفاء". لقد برر هؤلاء الأنصار رأيهم بالقول أن المحكومين هم بشر من خصالهم التمرد على السلطة وعدم الانصياع للقوانين والاوامر، ولكي يتمكن الحاكم من السيطرة عليهم وضمان أمن الدولة يجب أن يكون ماكرا و مخادعا وقويا مع كل ما يهدد أمن الدولة داخليا وخارجيا. لأن الأخلاق وسيلة الضعفاء، يقول كسنجر: " في السياسة لا وجود لصداقة دائمة ولا عداوة دائمة، فقط توجد مصالح دائمة ". ومع مطلع العصر الحديث طبق هذا التوجه مع العديد من الأنظمة السياسية مثل: النازية والفاشية .. الخ 
نقد الأطروحة الثانية:
لقد بالغ دعاة هذا الطرح في التأكيد على رأيهم لأن الكثير من النماذج التاريخية تثبت أن سقوط الدول وانهيار الحكم فيها هو نتيجة حتمية لاستبعاد الاخلاق من الممارسة السياسية، لأن استخدام القوة والقهر يولد الكراهية في قلوب المحكومين اتجاه الحاكم ما يؤدي بهم لعزله و خلعه وبالتالي سقوط نظام الحكم واختلال استقرار البلاد.
التركيب:
يمكن الجمع والتوفيق بين الأطروحتين بالقول أن هناك من القوانين والأوامر ما يتم تطبيقه باتباع الاعتبارات الاخلاقية، وهناك من القرارات السياسية ما يستلزم اتباع سبل القوة والارغام لضمان السير الحسن للأحوال داخل الدولة. 
ثالثا: حل المشكلة:
إن الهدف من وجود الدولة وإقامة أي نظام سياسي هو ضمان خير الأفراد واستقرار الدولة، وهذا لا يتم إلا بالسير الصحيح للحكم والذي يستدعي من الحاكم أن يكون ملما باستراتيجيات الحكم وفق ما يضمن للجميع حياة مستقرة، فهناك من القوانين والأمور التي يجب أن تراعى فيها المبادئ الأخلاقية، ومنها ما يستوجب تسخير القوة والمكر والدهاء لضمان الوصول إلى الغايات السياسية للدولة وضمان التطبيق السليم للقوانين على أكمل وجه.



عن الكاتب

الأستاذة لؤلؤة - أستاذة فلسفة. - خريجة المدرسة العليا للأساتذة (بوزريعة) تخصص: فلسفة - كاتبة

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الأستاذة لؤلؤة للفلسفة