وأخيراً، لما لاحظت أن جميع الأفكار،
التي تعرض لنا في اليقظة، قد ترد علينا في النوم، من دون أن يكون واحد منها
صحيحاً، عزمت على أن أتظاهر بأن جميع الأمور التي دخلت عقلي لم تكن أصدق من ضلالات
أحلامي. ولكني سرعان ما لاحظت، وأنا أحاول على هذا المنوال أن أعتقد بطلان كل شيء،
أنه يلزمني ضرورة، أنا صاحب هذا الاعتقاد، أن أكون شيئا من الأشياء. ولما رأيت أن
هذه الحقيقة:
أنا أفكر، إذن أنا موجود، هي من الرسوخ بحيث لا تزعزعها فروض
الريبيين مهما يكن فيها من شطط ، حكمت بأنني أستطيع مطمئنا أن أتخذها مبدأ أولا
للفلسفة التي كنت أبحث عنها.
ثم إني أمعنت النظر بانتباه في ما كنت
عليه، فرأيت أنني أستطيع أن أفرض أنه ليس لي أي جسم، وأنه ليس هناك أي عالم، ولا
أي حيّز أشغله، ولكنني لا أستطيع من أجل ذلك أن أفرض أنني غير موجود، لأن شكي في
حقيقة الأشياء الأخرى يلزم عنه بضد ذلك، لزوما بالغ البداهة و اليقين، أن أكون
موجوداً، في حين أنني، لو وقفت عن التفكير، وكانت جميع متخيلاتي الباقية حقا، لما
كان لي أي مسوغ للاعتقاد أنني موجود. فعرفت من ذلك أنني جوهر كل ماهيته أو طبيعته
لا تقوم إلا على الفكر، ولا يحتاج في وجوده إلى أي مكان، ولا يتعلق بأي شيء مادي،
بمعنى أن " الأنا " أي النفس التي أنا بها ما أنا، متميزة تمام التميز
عن الجسم، لا بل إن معرفتنا بها أسهل.
رونيه ديكارت - مقالة في الطريقة